أن تنضج وأنت ترى ما تفعله الصراعات الطائفية في وطنك ، وأن تكبر وأنت ترى التعثر امام كل الحركات الدينية والقومية التي تصل للحكم ثم تفشل فشلا ذريعا في ادارة الدولة وصناعة النهضة الوطنية ، يجعلك امام فكرة تكبر امامك شيئا فشيئا ، العلمانية وتبني الديمقراطية في اطار الدولة الوطنية المدنية .
وهذا يفرض عليك ان تقف امام اهم الاشكاليات التي تقف امام العلمانية في مجتمعات العالم الثالث وخصوصا في الشرق الأوسط، سأحااول هنا التطرق الى أهمها من خلال نقاشاتي وبحثي مع المؤيدين والمعارضين على حد سواء.
الصورة المتوارثة السائدة
أولى هذه الاشكاليات هي الموقف السلبي تجاه العلمانية ، حيث تجد شحنة سلبية تجاه مصطلح العلمانية نتيجة النشاط المتأخر لحركات الاصلاح الاسلامي ، سواء حركات الاسلام السياسي مثل الاخوان وقبلهم حركة الافغاني ومحمد عبده ، ورشيد رضا وغيرهم ، او حركات الاسلام الراديكالي مثل حركة محمد عبدالوهاب ، حتى الاسلام الصوفي.
فقد ارتبط اسم العلمانية لدى عالمنا بالهيمنة الاستعمارية ، والحركات التي تنادي بعودة الاسلام خصوصا بعد سقوط الامبراطورية العثمانية التي يعتبرها الاسلاميون رمزا للخلافة، لذلك فليس مستغربا أن يتم ربط العلمانية بكل ماهو معادي للاسلام من وجهة نظر المؤسسات الدينية والسياسية ، فتجد ربط العلمانية بالالحاد والاستعمار وفكرة المؤامرة من أعداء الأمة التقليديين في الغرب ( اليهود والنصارى) ، ويتم الدعاء عليهم في المنابر، وتحذير الناس من شرورهم ، واعتبارها احدى لافتات الفساد في الارض، حتى في مناهج الثقافة الدينية التي يتم تدريسها في الجامعات تعمم هذه الصورة المتوارثة حتى يومنا هذا.
موقف العلمانية من الدين
لم تكن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة كما يقال ابدا ، حيث تم اشهار صورة مقصودة ومشوهة تظهر العلمانية بأنها معادية للدين في مجتمعات تؤمن بثقافة التدين بل تزداد أعداد المؤمنين بالاديان مع مرور الوقت ، بسبب مفهوم الحق الالهي في الحكم ، حيث لم يكن للملوك اي حق الهي في الحكم ، لكن بوساطة المؤسسات الدينية سواء المسجد او الكنيسة او دار الافتاء وما شابه ، فكان المراد من ذلك هو فصل المؤسسة الدينية التي تمنح الحق الالهي في الحكم ، وهو ما تفعله وتؤمن به المذاهب الاسلامية التي توجب السمع والطاعة للحاكم وان كان طاغيا او ظالما بدافع الوحدة او عدم شق الصف ، الى اخر المبررات التي ابرزتها النصوص الاسلامية
استخدام او اقصاء
و بسبب عمق التعقيدات التاريخية التي يعج بها خطنا الزمني التاريخي ، والتزاوج المحرم بين المؤسسة الدينية والسلاطين ، والتي اسفرت عن استخدام مهين للمؤسسة الدينية ورجالها في فرض أجندة الاستبداد والمصلحة الخاصة للحكام على حساب مصلحة الشعوب العامة، يرفض العلمانيون فكرة تدخل الدين ومؤسسته في امور الدولة ، وهنا برزت أهم اشكاليات العلمنة ، وهي اخضاع المؤسسة الدينية.. للدولة الوطنية المدنية، والأخيرة هي الحل لمسألة الطائفية التي تعتلي المشهد السياسي والاجتماعي في عالمنا.رغم ان الدول العلمانية الغربية تستخدم بعض المؤسسات الدينية لاجراء بعض الطقوس (الوطنية) من تعيينات او القسم باليمين على الكتب السماوية، وربما مصلحة عامة كادخال عبارة (نثق بالرب) على عملة الدولار في اطار الحرب مع الشيوعية ، ولكن هذا يحدث طبعا بعد عقود من تاسيس دولة وطنية معلومة الصلاحيات و متوازنة القوى.
من نوادر التاريخ ، وبغض النظر عن موقفنا من الحدث ، يقال في قصة الغاء الخلافة العثمانية أن اتاتورك ألغى الخلافة العثمانية بفتوى!، تحت مبررأنه ملك عضوض وليس جزء من الشورى الاسلامية ، بمعنى ان الحركة وفقا للفتوى الدينية كانت تشمل الاسلامي والقومي وغيره ، وهذه ميزة لدينا في الشرق الاوسط والادنى .
معركة قداسة
آخر الاشكاليات التي تخوضها العلمانية هي اشكالية القداسة ، فالعلمانية ترى الفصل بين السياسة والقداسة ، فلا يوجد شي مقدس لدى العلمانية في امور السياسة وادارة الشأن العام سوى المصلحة العليا للشعب والمواطن ، ومن حقك في امور الدين ان تعتقد بقداسة ما تريد ، وحتى نكون منصفين فليس المتدين فقط من ياتي للسياسة باساطير ومقدسات ، البشر ياتون ايضا بمقدسات ، يقدسون الزعيم ، وتقدس الشعب ، وتقدس الوطن ، وتقدس الحزب ، وتقدس الطبقة الاجتماعية او السياسية وهكذا.
إن الواقع والتاريخ يقولان أنه لا يمكن الغاء المقدسات من حياة البشر ، لكن ينبغي ألا يتجاوز حجم طبقة المقدسات في حياة المواطن ، ما يمنع او يلغي ممارسته لحقوقه وواجباته الجوهرية في الدولة بعدل ومساواة.
1 تعليق على موضوع : العلمانية واشكالياتها بين الحقيقة والشيطنة
السلام على من اتبع الدين الحق المنزل في كتاب الله وفي الثابت من السنة النبوي
لماذا تجعل ياعزيزي الصراعات الدينية التي لايرتضيها الدين نفسه !!سمة من سماته!! وتنبي عليها
فشل الدين بادارة الحياة ؟؟ليس في هذا اي موضوعية ؟!
هذه النقطة الاولى وسنتابع المناقشة بعد ردك هزيزي الكاتب.
د/عادل البدوي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات