العلمانية المؤدلجة - هل انت حقا علماني؟

(1)

العلمانية كآلية لتنظيم أمور الدولة ببساطة، لا تحتاج لكل تلك الأحمال السابقة القديمة، التي يفترض بنا التحرر منها وتركها خلفنا، والا فإننا نقوم بإنتاج مسخ جديد مشوه يسيئ للمفهوم الذي يحاول الكثير من المفكرين تخليصه من الشوائب التي علقت به من التجارب المتطرفة ، ليس كدفاع عن مصطلح بذاته ، وانما البناء على الدلالات الموجودة ، وتوضيح اشكالياته .

(2)

العلمانية ليست أيدلوجيا، لكن بعض المتحمسين لها يحولونها كذلك، حين يبدأون بتحويرها الى فكرة مركزية تدور حولها الحياة بشكل عام ، ويبدأون بسرد المكاسب وكمية الخير الذي سيحل بالعالم ان انتشرت ، وينسبون اليها كل خير ، ويدفعون بها كل شر ، هذه الملامح  نفسها هي ما يقولوها كل أتباع الديانات عن دياناتهم ، ونظرياتهم للنهوض ، وهنا يكمن الخلل حيث تظهر التعصبات ، والتمترس كل خلف فكرته ، فكما ظهر داعية العلمانية ، سيظهر معادي العلمانية ، وكل ما زاد التشدد والتمسك ، زاد ردة الفعل ، وبقينا في صراع الايدلوجيات الذي لن يخرجنا عن مسارنا .

لكن لو اقتنع شخص ما بنظرية العلمنة، فلن يظل يبكي مظلمة الإخوان والبنا  لو كان إسلاميا ، ولن يبكي مشروع الخلافة الذي سقط لو كان سنيا ،  ولن يبكي كربلاء ومشروع الولاية  لو كان شيعيا،  ولن يبكي زعيمه عفاش لو كان مؤتمريا ، أو  ناصر لو كان ناصريا ، او كافة الرموز السياسية والدينية التي يقوم المؤدلَجون بشحن حياتهم بسيرة قادتهم العظماء .

(3)

شهدت السنوات قبل حلول الربيع العربي بكثير من يتشدق بالعلمانية وينتسب اليها ، متخفيا بها عن المنهج الفكري والسياسي الذي يؤمن به ، فشهدنا ‏الديمقراطي الذي يؤيد انقلابا عسكريا،  وهو بالتأكيد ليس علمانيا،  والإسلامي  الذي يؤمن بأحقية عرق أو جنس للحكم، ليس علمانيا،  والليبرالي الذي يرى أن تقليد الغرب في كل شيئ هو الطريق، ليس علمانيا ، وكذلك القومي الذي يظن أن الدولة الحديثة تقتضي هيمنة واحدة على كل الدول العربية، ليس علمانيا بكل تأكيد .

(4)

لو وعيت عزيزي القارئ حقا مفهوم ‎#العلمانية ببساطة ستستطيع ادراك أن الروابط الجماعية الضيقة للجماعات والأحزاب التقليدية القديمة المبنية على التعصب واتهام الآخر عبء تخلصت منه،لأنه لن يخرجنا من المأزق الذي لطالمنا عشناه وكررناه في حياتنا السياسية والدينية والاجتماعية ، وستجد نفسك في ضمن رابط إنساني عالمي يؤمن بالحقوق والواجبات،  والتعايش وتقبل الآخر، والحرية والعدالة والعيش الكريم ، في اطار دولة مدنية تحتوي الجميع .

(5)

التطرف الملاحظ من قبل من يحاول تصدر مشهد ‎#العلمانية في الايام الاخيرة ، يفرض على كل واعٍ  أن يقوم  بمزيد من توضيح دلالات العلمانية ، ومفاهيمها ، واعادة تأطير ما يشذ من صور ،  لا التحدث عن فوائد ونتائج العلمانية المتوقعة (كترويج ممجوج)

وجعلها كَ (ابو فاس) او (الفكس) كمرهم خارق لعلاج كل الامراض المستعصية ، و ك مصباح علاء الدين السحري لتحقيق الأمنيات

فالواقع أشد تعقيدا والمتغيرات كثيرة من تكوين ديموغرافي وجيوبوليتكي ،  وكل بلد عربي يحتاج لصيغة مختلفة تماما عن البلد المجاور له ، حتى نبدأ بالتقدم رويدا رويدا ، ويحدث التغيير بشكل تدريجي ، نستطيع من خلاله استيعاب ما يحدث ، حتى نتهيأ لصيغة ان امكن تجمع المنطقة في اطار اقليمي .

(6)

‏هل هناك فرق  بين المتطرف ذو اللحية،و المتطرف ذي الكرفتة،؟ 

والمتطرف في المعبد والكنيسة والمسجد، و المتطرف الملحد،؟

العلمانية والديمقراطية ان تصدرها هؤلاء فهذا يعني استمرار حياتنا كجحيم لا يطاق، لفترة زمنية أخرى 

لنفهم بعدها أن مشكلتنا في عقليتنا وافكارنا، لا في انتماءاتنا واشكالنا، 

(7)

لماذا لا يتم التركيز على محددات مصطلح  العلمانية ك فكرة، ونظرية،  وآلية لإدارة البلد؟!! 

بدلا عن التبشير الاستعدائي الذي يقوم به البعض ويتحدث عن إزالة كل الموجودين او الفاعلين حاليا وان كانوا سلبيين من الخارطة السياسية؟ 

لماذا الزج بكل أعبائنا التاريخية من عداوات وتجارب فاشلة في أطروحاتنا عن المستقبل .

(8)

في الاخير العلمانية ككلمة لا تفرق عن غيرها من المسميات بشيئ ، ما لم يصاحبها توضيح المفاهيم والدلالات،

و تمثيل المؤمنين بها لأنفسهم خير تمثيل، بامتثال القيم والمثل ليكونوا قدوة لغيرهم ، مستوعبين بها المختلفين قبل المتفقين معهم ، 

لا أن يسوقوها عبر المستقبل الغامض، أو عبر البديل السحري، 

أو أن يمارسوا نفس التطرف، والتعصب،  و الإلغاء، و إلقاء الاتهامات يمنة ويسرة

(9)

‏إذا كنت علمانياحقا، فأخبرني يا صديقي: 

ماهي العلمانية ك مفهوم،ماهي الإجراءات التي تفعلها لأقول عنك انك علماني،؟ 

ماالفرق بين تجربتك التي تريد من المجتمع خوضها  وبين كل التجارب والنظريات العربيةالسابقة.

كيف أتاكد انك لست صاحب نظرية أو أيدلوجيا غير مضمونة وفيها من التطرف ما فيها  ،فقط  تريد أن تأخذ دورك في السيطرة على البلد لنكتشف بعد ذلك اننا جربنا المجرب لكن بشكل مختلف .

لاأريدك مثاليا لكن اعطني دليلا على انك مختلف.